jeudi 21 mai 2009

سنة أولى ثانوي في باريس

البداية

البداية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لست أدري أين هي البداية... لأن البداية هي بداية شيء. وهذا الشيء ليس واحداً، ولو تابعنا الخط الزمني وقدمنا العلم على الأدب، لقلنا إن المسار بدأ وأنا في السنة الثالثة من التعليم المتوسط مع ثاني درس في الرياضيات.
كانت صدفة نادرة، وحياتي مليئة بالصدف التي ساعدتني على السير في هذا الدرب. الصدفة أني حفظت على غير عادة درس الرياضيات هذا اليوم، ولم أكن أحفظ الدروس إلا قبيل الامتحانات، ولم أكن متفوقاً في هذه المادة، والصدفة الثانية أن أستاذنا كان متميزاً ذا ذكاء خارق للعادة، وقيل إنه يحمل شهادة عالية فلقبناه بالدكتور.
ولم أدر ما حدث هذا الصباح من بداية السنة الدراسية، لعلي نظرت إلى الدكتور نظرة الفاهم فطلب مني أن أذهب إلى السبورة أو أنه فقط اختار في قائمته من بين التلاميذ الثلاثين اسمي بالصدفة. النتيجة هو أنه قال بنبرته الدقيقة مثل علمه: السيد حركات تفضل إلى السبورة.
وذهبت إلى السبورة وأجبت على أسئلته ورأيت بعد الأجوبة نوعاً من الغبطة تظهر على ملامحه، الغبطة التي يشعر بها كل أستاذ عندما يلقى التجاوب لدى تلميذه. وقبل أن يقول لي شكراً ويسمح لي بالرجوع إلى مقعدي، اتفقنا خلال ثانية من الزمن، دون أي كلام، على شيئين: هو على أنني سأكون أفضل تلاميذه في القسم بل وفي الثانوية، وأنا على أنني أختار درب الرياضيات.

في الحقيقة هذه البداية مبتورة أو هي منعرج، لأن بدايتي الحقيقية كانت مع الأدب فكنت أقرأ كثيراً، وأشعر بمتعة كبيرة خلال القراءة، وأحلم بأن أكون في يوم ما كاتبا ذا أهمية. والغريب في الأمر أنني لم أكن أحلم بأن أكون عالم رياضيات، وإنما كل النجاحات التي أحرزت عليها في هذا الميدان جاءت نتيجة الموهبة والعمل...
الميل الأدبي لم يسقط ولكن الممارسات الرياضية امتصته امتصاصاً...

منذ يـوم الصعود إلى السبورة أصبحت الرياضيات شغلي، ونسيت المطالعة والأدب ... وممارسة مادتي المفضلة كانت عبارة عن حل التمارين والمسائل ... فكنت منشغلا بهذه الحلول طوال الوقت حتى في الدروس الأخرى... لا أظن أنني منذ ذلك اليوم استمعت إلى درس في التاريخ أو الجغرافية أو الفرنسية أو العلوم أو حتى الفيزياء. كنت آخذ ورقة صغيرة، وفي الخفاء أحل التمارين الواحد تلو الآخر...

كان الدكتور يتابع تلاميذه حتى الأقسام النهائية، ويختارهم. وكان تدريسه صعب المنوال يعالج فيه البرنامج بطريقته الخاصة، يبدأ مسألة وإذا أنهى أجزاءها يضيف لها ارتجالاً أسئلة. ولم تكن السبورة لتسع رسومه فكان يمد المستقيمات والدوائر على الحائط، صاعداً نازلاً، وأحياناً ينسى أن أمامه قسما كاملا، ضائعا، لا يفهم شيئاً...فينظر إلي ويسألوني، وكأن كل هذه الممارسات تدور بيني وبينه، فيقول: السيد حركات، هل فهمت؟
فأتمتم: نعم ...
سواء فهمت أم لم أفهم ...
وذات يوم رأيت أن أخرج عن نطاق الإجابة عن أسئلة الفرض فبدأت أبحث في اتجاهات مختلفة بطريقة شخصية، ولكن عند إرجاع الفرض قال لي الأستاذ بأن أبحاثي ترعي الانتباه ولكنها خاطئة. ورجعت بهذا إلى الطريق الصحيح: التعليم يقتضي منا في هذه المرحلة التعلم وحده، التعلم بدون بحث ولا ابتكار...

لم أكن أحفظ دوماً دروسي. ذات يوم أجبت على مسألة بطريقة مبتكرة شيقة أعجبت الأستاذ، وكان السبب في ذلك أنني لم أستعمل النظريات التي تطبق على المسألة نتيجة كسلي الذي جعلني لا أراجع هذه النظريات!!!
وشاع في كل الثانوية أن الدكتور صعبت عليه ذات يوم مسألة ولم يجد لها حلا إلا بمساعدتي... لا أذكر هذه الحادثة ولكن قدماء الثانوية مازالوا يتذكرونها...

ذات يوم وقع لي قبل الامتحان حدث في رياضة كرة اليد، فأصابني عطب في يدي وصعبت علي الكتابة، وبعد ربع ساعة من الجهد أرجعت الوثيقة إلى الأستاذ وقد كتبت بعض الأسطر فيها فقط... الدكتور لم يرض بهذا فذهب للإدارة باحثاً عن مراقب ليكتب تحت إملائي... ولكن الإدارة رفضت ... فألغى الأستاذ الامتحان وأعاده بعد شفائي من يدي ...

الطريق كان إذاً معبداً أمامي فأنجزت بعد البكالوريا الليسانس في الرياضيات ولكني لم أطمح إلى دكتوراه في هذه المادة، وذلك أن ميولي الأدبية برزت من جديد...

مقدمة أهنال

مدخل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان لزاما علي أن أؤلف هذا الكتاب لأدون فيه آرائي حول العلم والثقافة والمجتمع واللغة والتعليم، وذلك من خلال مساري العلمي والثقافي. وكنت أؤجل في كل مرة هذا المشروع لأنه كان أمامي دوماً مشروع آخر أظن أنه أهم وأفيدُ.
والدافع الذي جعلني أرفع القلم هذا الصباح هو أني ربما تعبتُ من البحث اللغوي والتأليف النظري، وأنني في حاجة إلى استراحة، والصيف الذي دخل منذ أيام هو بالنسبة لي فصل متعة وراحة... ولكن متعتي ليست في الفراغ وأنا كما قال الكاتب الفرنسي أناتول فرانس في كتاب سماه {راحتي الوحيدة هي العمل}، لا أهدأ إلا أمام ورقة أو آلة كاتبة، ولا أنعم بالراحة إلا عندما ينشغل عقلي بتدوين الأفكار والكلمات.
واعتدت التأليف ، خلال هذه السنوات، متبعا إيقاعا تناوبيا يجعلني مرة أنصب في كتاب علمي أرضي به جانبي الدّيكارتي، العقلاني، ومرة أرضي مشاعري وعواطفي من خلال رواية أو قصة أو قصائد ...
وفي السنتين الماضيتين، خالفت شيئا ما هذا العادة واندرجت في سلسلة التأليف العلمي لمدة ثلاث سنوات متتابعة أصدرت فيها ثلاث كتب كلّفتني الكثير من المشقة... وكثيراً ما تأتيني فترة تعب وإرهاق خلال التأليف والبحث... إرهاق شديد لا تزيله الراحة لأن الانقطاع عن المشروع متعب في حد ذاته... وأستمر في العمل رغم هذا الإرهاق الذي قد يدوم الشهر أو أكثر، وتنقشع ذات يوم الغيوم وتأتي الراحة بعد التعب وأستمر في المشروع مخصصاً له كل وقتي... فلا أهتم بملابسي أو سيارتي ... ولا بالرياضة التي كنت أمارسها بصفة منتظمة. وأحيانا أشعر بأن الذهاب إلى الحمام يشغلني عن البحث!!!
وكنت أجد غريباً منظر بعض الزملاء الذين يقضون وقتهم في الدردشة... فلا أفهم كيف يضيعون وقتاً أراه أغلى من ذهب!
وكثيرا ما كنت أنهض وسط الليل لأنني اكتشفت شيئاً غاب عني وعن غيري أو حللت مشكلة عويصة أو حددت مفهوما... وأحمد الله على هذا ... وأحمده أكثر في نهاية المشروع فأذيل الكتاب بالعبارة {ثمّ بعون الله وحفظه}... وهذه العبارة لا يفهمها حقّ الفهم إلاّ من عرف صعوبات المخاض، وهذه المتعة الممزوجة بالألم زمان الكتابة والتأليف.

نسيت أن أذكر الدافع الذي دفعني بطريقة مباشرة إلى هذه الورقة وهو أنني بالأمس وأنا أفتح بريدي الإلكتروني، وجدت رسالة من مؤسسة طلبت منها دعماً لمشروع كان في طريق الانجاز... ولم أكن أُدعَّم من قبل، فكنت أصرف نقودي الخاصة من أجل الطباعة والنشر والتوزيع... وجدت رسالة تقول لي فيها هذه الجهة: إنها آسفة على عدم تبنيها لهذا المشروع ... أشكرهم، فلولاهم لما كنت هذا الصباح أمام هذه الورقة.
كما أشكر كل من حاولوا عرقلة مشاريعي وكل من حاولوا تهميشي، وكل من نقدوني في الخفاء... فهذه العرقلة، وهذا التهميش، وهذا النقد انقلب في كل مرة إلى ايجابيات وتحفيز ...
ولست أدري وأنا الآن أمام ورقة بيضاء ثانية ستتلوها بعون الله أوراق أخرى، لست أدري ما ستَخُط يدي وما سيدون في هذا الكتاب من أفكار لأنني قررت أن أرتجله ارتجالاً وأن أنهج نهج العفوية بدلا من نهج التنظيم المحكم ...
وفي الحقيقة إني كتبت هذا الكتاب مراراً، ولكن في ذهني، وبواسطة كلمات خفية. ولكن المكتوب ليس كالمنطوق، والمنطوق ليس كالفكر الخفي، فهذا همس والآخر جهر، والأول فوق الجهر لأنه ثابتٌ لا يزول أثره إلا إذا تناسته الأجيال وأضاع الزمان رَسْمهُ ...
وأخيراً ليوفقني الله في هذا العمل، وليجعل القارئ يستفيد منه سواء كان قارئاً باحثاً مثقفاً أو قارئاً بسيطاً كما يقال ... والثقافة لا تقاس بالشهادات فهذا البسيط قد يكون له من الدراية والفهم والذكاء ما لا يملكه غيره من أصحاب الشهادات.
وشكري الجزيل لقرائي في زمان قلت فيه القراءة بل كادت تندثر، شكر لطلابي الذين سايروا أعمالي وشاركوني متعة الاكتشافات، لطلبة قسنطينة، الجزائر، الأغواط وكل الجامعات الذين راسلوني بالأنترنات أو تكلموا عني في الندوات، لبعض الزملاء الأوفياء، ولكل من تلقى خطاباً أرسلته ففهمه وأعجب به وسرني وأمتعني الفهم المتبادل كما سره وأمتعه ...
والحمد للمولى عز وجل على رعايته وحفظه.

لقب الدكتوز

لقب الدكتور

كم من طالب في الدراسات العليا تاق للفظة الدكتور فهي تتوج مساره العلمي، وتمنحه العمل والاحترام وبعض الاكتفاء المادي ولا أقول الثراء أو حتى شبه الثراء...
ولكن استعمال هذه اللفظة يختلف من ثقافة لأخرى، فالألمان مثلا لا يجدون حرجاً في إضافة كلمة دكتور إلى أسمائهم، وهذا على اختلاف الشهادات. أما الفرنسيون فإنهم يخصصون اللقب للأطباء حتى أن هذه المفردة أصبحت مرادفة لكلمة طبيب. فيقال : زرت الطبيب أو زرت الدكتور على حد سواء.
أما المشارقة من العرب فإنهم يعطون لهذه الكلمة أهمية كبرى ويؤكدون بذلك على المستوى الجامعي لصاحبها، ومكانته في المجتمع... حتى أنها أصبحت شبيهة بالألقاب الشرفية القديمة عند الغربيين مثل الدوك والبارون والكونت.
أما نحن في الجزائر، أو ربما في بعض المغرب العربي، نحن الذين لم تستقر بعض ثقافتنا, فإننا نوظف هذا اللفظ بطرق مختلفة، ونعطيه دلالات متغايرة ونتعامل معه حسب إيديولوجيات متضادة.

أبرز استعمالين للفظ {دكتور} يتمثل في نطقين مختلفين وفي مدلولين متقابلين. فهناك الكلمة التي نطقها عربي بالتاء المضمومة الممدودة وهي مخصصة للجامعيين الذين أحرزوا على أعلى شهادة تمنحها الجامعة. وهناك {دكتور} بالنطق الفرنسي بدال متبوعة بالصائت {0} وتاء متبوعة بالصائت {eu} الممدود. وهذه الكلمة أي {docteur} المنطوقة حسب النطق الأجنبي, تخصص للأطباء.
هذا الاستعمال المزدوج واضح في خطاب التلفزة والمذياع. فإن استقبل المنشط أستاذاً في الأدب أو القانون أو التاريخ، استعمل النطق العربي. وإن حاور طبيباً استعمل الكلمة بنطقها الأجنبي وأحيانا نراه يستعمل حتى كلمة {بروفسار} إن كان الطبيب يحمل هذا اللقب متجنبا مقابلها العربي {أستاذ}.
هذه الازدواجية في الاستعمال، إن كانت تحمل أثر الازدواجية الثقافية، فهي أيضا تحمل دلالات أخرى: دلالات اجتماعية تقويمية. فاستعمال كلمة دكتور بالنطق الأجنبي تنـزه صاحب اللقب عن أن يكون مجرد شخص جامعي اكتفى بتكديس المعلومات. فهو شخص يداوي وينفع في كل وقت الناس، ويجنبهم المرض أو يشفيهم منه. وشهادته إذن ذات إيجابية مجسدة في الميدان. إضافة إلى كونه في حيز أصحاب الحداثة، فالطب عالمي، متقدم، لا علاقة له البتة بالتراث والتخلف.
وهذا التحليل ليس تحليلاً نظرياً، فبالفعل أساتذة الطب طلبوا، وأظنهم نجحوا في هذا الطلب، طلبوا أن يكون سلمهم في الوظيف العمومي أعلى من سلم أساتذة المواد الأخرى...
وربما هم على حق. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يطالب دكاترة الرياضيات والفيزياء والعلوم الدقيقة، أن تكون أستاذيتهم أعلى من أستاذية الأدبيين؟ ولهم حجة قوية وهي أنهم معرضون لمغريات الغرب ومادياته، وظروف عمله الجيدة، واحترامه للثقافة والعلم...فهم قادرون على الهجرة أكثر من غيرهم...
ولو رجعنا إلى دلالة الكلمتين لرأينا أن اللفظة الأجنبية متفق على مدلولاتها من طرف المجتمع كله. فهي تعني الكفاءة والاحترام، حتى وإن كان بعض الممثلين لا يستحقون هذه العناية، وحتى وإن كان بعض الشبان الحاملين لهذه الشهادة بطالين أو يزاولون مهنا لا تتلاءم مع تكوينهم مثل سياقة التاكسي والتجارة البسيطة والعمل اليدوي...
أما لفظة دكتور العربية النطق فإنها تحمل في طياتها معان متناقضة وسأبدأ بأسوإها.
عند بعض الأشخاص من الجيل القديم, وحتى الحديث، كلمة دكتور مرفوقة بالاحتقار والازدراء. فالدكتور في منظور هؤلاء هو شخص أدبي متمسك بلغة قديمة وثقافة ظلامية وقيم بالية، منهمك ربما على كتبه: لباسه قديم، وهيئته شعبية، وملامحه تدل على التعب المكدس، والقهر الاجتماعي، وهو فقير بطبيعة حاله... فهو إن اشترى سيارة فقد يكون اشتراها بالتقسيط وإن تحصل على شقة تأوي إليها عائلته الكبيرة فإنه تحصل عليها بإعانة من وزارته، وذلك بعد المشقة والتوسل والبحث عن السند والعون من كل الجهات.
وهذا التصور للدكاترة ليس نابعا فقط عن الصراع الثقافي، ومصدره ليس العدوانية المجانية، وإنما هو يحمل في طياته شيئاً من الواقع، فالدكاترة الأدبيون لم يفرضوا أنفسهم في الإدارة والثقافة والسياسة الفرض اللازم، ولم يرقوا بعلمهم إلى الدرجة التي تجعلهم يجابهون بها أصحاب الازدراء والاحتقار.
فأنت إن توصلت إلى فهم ابن جني وسيبويه، والجرجاني، وكتبت أطروحة قد يزيد أحيانا حجمها على الألف صفحة، فكيف لا تستطيع تعلم لغة أجنبية أو تحسين مستواك فيها، حتى تتسع آفاقك على ثقافات أخرى، وحتى تستطيع أن تقف الند مع الند أمام من يزدريك ؟
ومن ناحية النطق فإن المنشط في التلفزة أو الإذاعة إن فصل بين المدلولات بواسطة التعبير الصوتي، فهذا قد يكون نابعا عن مركب نقص أمام طبيب يراد تنـزيهه عن الأدبيات. أما المزدري فإن ازدراءه نابع عن تكبر وهو يجسده على مستوى التلفظ أيضا. فهو يمد عمدا، وبصفة ملحوظة, ضمة الواو فينطق: {دكتووووور}.
وتكون درجة الازدراء متناسبة مع طول الضمة، ومع التركيز على الحروف تركيزا تهكميا، ومع إبراز عروبة الكلمة ونطقها الفصيح...

وفي الأوساط الجامعية فإن شهادة الدكتوراه تفصل بين أصحاب التعليم، وتساهم في التصنيف الذي نشاهده في كل الجامعات: جامعات العلوم الدقيقة والجامعات الأدبية، جامعات الشرق وجامعة الغرب. فالدكتور دكتور في كل المعاهد، وهو أعلى درجة من المعيد المتحصل فقط على الماجستير... وقد يكون المعيد أكثر ثقافة وعلما من الأستاذ، وأحد ذكاء وفطنة، ولكنه يبقى في درجة منخفضة في أعين الجميع.
ورسالة الدكتوراه قد تكون جيدة، فيها ابتكار وبحث حقيقي، وقد تكون رديئة فيها الأخطاء والتناقضات... ولكن السمة الأساسية للدكتوراه تبقى أنها شهادة جامعية... وإنما البحث الحقيقي يبقى بعد هذه الشهادة.


الانتباه إلى نظرة الآخرين للدكتوراه شيء هام بالنسبة لحاملها. فأنت لو كتبت أو نشرت مقالاً في الغرب فإنك تحرج غيرك إن أبرزت شهادتك، وإن كتبت في المشرق فمن الأحسن أن تصدر اسمك بكلمة دكتور أو بدال متبوعة بنقطة.
وأتذكر أنني لما نشرت كتبي الخمسة في المشرق فإنني نهجت نهج الغربيين. فأندري مارتيني، وجاكبسون، وشومسكي لا يذكرون في عناوين كتبهم رتبتهم الجامعية. فشومسكي هو شومسكي صاحب النظرية التحويلية, وجاكبسون هو أبرز أعلام مدرسة براق, ومارتيني هو صاحب المدرسة الوظيفية. أسماءهم تكفي ولا داعي إلى التركيز على الشهادة.
وجعلت اسمي ببساطة دون تصديره بكلمة دكتور أو بهذه الدال الخفية، وفي آخر الغلاف لم أذكر مساري العلمي. وهذا التواضع رجع بالسلب على عملي, إذ ظن الجميع في المشرق أنني لم أدرس في الجامعة لا اللسانيات ولا الصوتيات ولا العروض، وإنما كتبت كل هذا من باب الاجتهاد الفردي... وكل هذا جعلني أندم على تواضع لم يكن في محله...
والكلمات تتغير مدلولاتها مع تغير المجتمعات. ونحن نلاحظ الآن مع انتشار العلوم الإنسانية أن فئة كثيرة من الشبان أصبحت تعطي للأستاذ
حقه من التقدير والعرفان، وصارت تمنح هذه الكلمة دلالات غير دلالات الاحتقار والازدراء.

vendredi 3 avril 2009

جماليات الصوت اللغوي


. الأصوات في القصيدة
الأصوات في القصيدة، سواء كانت حروفا أو حركات، لها صفات مميزة عديدة. ولكننا لم نأخذ منها في دراسة الوزن والإيقاع، إلا الصفة
التي تربطها بالزمن، وأهملنا كل الصفات الأخرى من جهر وهمس وانفجار وغنة، وذلك لسبب بسيط وهو أن هذه الصفات ليست ذات دلالة بالنسبة للوزن والإيقاع. ففي بيت ابن زيدون:
إِنَّ الذِي قَدَرَ الْحَوَادِثَ قَدْرَهَا ساوى لديه الشهدَ منها العَلْقَمُ
لا تهم من ناحية الوزن طبيعة أي حرف.
ففي {قدر} لا يهمنا أن تكون القاف والدال انفجاريتين مجهورتين والراء حرفا مائعا تكراريا، ولا يهمنا تجاوب {قدر} مع {قدرها}، وورود القاف في كل من {قدر،قدرها،العلقم}، وورود الدال في كل من {قدر،الحوادث، قدرها، لديه،الشهد}.
الحرف الوحيد الذي نهتم بطبيعته في القصيدة هو الروي أو ما لزم من حروف وحركات في القافية كألف التأسيس، والوصل الخ.

ولكن طبيعة الحروف التي تكلمنا عنها وطريقة ورودها في البيت إن لم تكن إشارات ذات دلالة بالنسبة للوزن، فهي ذات أهمية بالنسبة للوظيفة الجمالية للبيت، ولذا فإنه من الأحسن أن ندرسها في باب أسلوبيات البيت أو جمالياته.

. المقصود وغير المقصود
بيت ابن زيدون السابق الذكر، مأخوذ من قصيدة مطلعها :
الدّهْرُ إِنْ أَمْلَى فَصيحُُ أَعْجَمُ يُعْطِي اعْتِبَاري مَا جَهِلْتُ فَأفْهَمُ
هذه القصيدة تبتدئ بكلمة {الدهر} التي هي أساسية، ومحورية. وهذه الكلمة يتصدرها حرف الدال، فلا غرابة إذن أن يرد هذا الحرف بالكثافة المذكورة، والسؤال الذي يمكن أن يطرح علينا هو: هل قصد الشاعر هذا التكرار؟ أم أنه جاء بالصدفة؟ أم أن شيئا في ملكته جعل الحرف يتردد هذا التردد؟
1. عدد كلمات البيت هو عشرة ولو رمزنا بالصفر للكلمة الخالية من الدال وبالواحد للكلمة التي تحمل الدال لتحصلنا على ما يلي :
إن الذي قدر الحوادث قدرها ساوى لديه الشهد منها العلقم
0 0 1 1 1 0 1 1 0 0

وهذا يرينا أن حرف الدال ورد في خمسين بالمائة من الكلمات وهي نسبة عالية.
وعلى مستوى التفاعيل لو أجرينا نفس العملية.
إن الذي/ قدرلحوا/ دثقدرها ساوى لديـ/هششهدمنـ/هلعلقم
متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن
0 1 2 1 1 0
لرأينا أن ثلثي التفاعيل تحمل حرف الدال وهي نسبة عالية أيضا.
كثافة الدال هي إذن في هذا البيت شيء حقيقي.
2. العلاقة بين { قدر} و {قَدْرها} في العبارة: { قدر الأشياء قدرها} جاء بها الشاعر عن قصد، فهي خاضعة لشكل بلاغي متداول.
3. باقي الكلمات التي تحتوي على حرف الدال بدون قصد ظاهر، ولكن كثافة هذا الحرف غير العادية وارتباطها بالكلمة المحورية {الدهر} تجعلنا نعتقد بأن هذا التواتر ناتج عن مَلَكة شعرية تفوق ملكة الوزن أو ترافقها. وهذه الملكة خفية كخفاء الملكة الإيقاعية.
وعلى هذا، فإنه بإمكاننا أن نصنف هذا النوع من الأحداث، كما يلي:
1. أحداث جاءت بمحض الصدفة وبطريقة عشوائية.
2. أحداث مقصودة كاستعمال الجناس في:
ورد الربيع فمرحبا بوروده وبنور بهجته ونور وروده
3. أحداث غير مقصودة وغير عشوائية يمكن أن تنسب إلى الملكة الشعرية الخفية.
لاحظ أن صفي الدين الحلي، إن قصد الجناس بين الورود أي الإتيان وبين الورود بمعنى الأزهار، وبين النور أي الضوء والنور أي الأزهار، فهو لم يقصد تكرار الراء، فهذا الحرف الذي يتصدر الكلمة الرئيسية في البيت وهي {الربيع} يرد في معظم كلمات البيت ومعظم التفاعيل .
ورد الربيع فمرحبا بوروده و بنور بهجته و نور وروده
1 1 1 1 1 0 1 1
ورد الربيـ/ ـع فمرحبا /بوروده وبنوربهـ/جته ونو/ر وروده
2 1 1 1 0 2
ونستخلص من هذا أن الشاعر قد يقصد منحى أسلوبيا بلاغيا جماليا، ولكنه بصفة عفوية يورد علاقات لا يتوقعها.

. مدلول الصوت واعتباطية الدليل
إن كلمات اللغة اعتباطية في أساسها، أي أنه لا علاقة بين شكلها ومعناها. هذا ما لاحظه اللسانيون واستدلوا بذلك على كون {الدار} يقال لها بالفرنسية: {ميزون Maison}، وبالإنجليزية {هاوس House}، و{السماء} هي {سيال Ciel }و{سكاي Sky } ولا علاقة بين الأصوات في هذه اللغات وبين المدلول الواحد.

و لكن هذه الاعتباطية، الأساسية من ناحية المبدإ، هل هي تامة؟ وهل تمنع ارتباط الدلالة من خلال ارتباط الأصوات؟
بعض اللغويون يرون ارتباطا للصوت بالمعنى في كلمات مثل: {أزيز الماء عند الغليان}، و {خرير الماء}. {الهمس} يوحي بهاءه الخفيفة وسينه الصفرية إلى الصوت الخفي إلخ.... و لكن هذه الحالات هامشية ولاتخل بمدإ اعتباطية الدليل. إلا أن الشعر يتعامل مع محور الاستبدال من ناحية التركيب اللغوي ومن ناحية التركيب العروضي وأيضا كما نظن من ناحية الاختيار البلاغي الأسلوبي.

ففي { قدر الحوادث قدرها} كلمة {حوادث} اختيرت من بين سلسلة من الكلمات تؤدي المعنى، وتتفق مع الوزن، ووقع ربما الاختيار على {حوادث} لورود حرف الدال فيها ولعلاقتها بال{دهر}. ألا يقال {حوادث الدهر} ؟

فالصوت ليس له مدلول بنفسه، والعلاقة التي يراها البعض بين جرسه وطبيعة مدلوله، كالقوة أو الضعف، كالحب مقابل الكراهية، أو الضوء مقابل الظلام، هي علاقة ساذجة لا يمكن التأكد منها، ولكن الحرف وارد وسط كلمة لها معنى. وفي هذه الحالة، فإن الحرف قد ينقل هذا المعنى من مكان لآخر، رأينا أن {دال} الدهر عند ابن زيدون انتقلت أو علمت كلمات مثل :{قدر، حوادث، لديه، الشهد} و{راء} الربيع عند صفي الدين الحلي انتقلت إلى: الورد، والنور، والنور، والرحب.
وربما يجعلنا هذا نتساءل عن اعتباطية الدليل: هل قداسته مهددة من طرف شيء آخر غير المحاكاة الصوتية للمعنى؟ وهذا الشيء يكمن في اشتراك حقل معجمي بأكمله في جزء من الدال. أنظر إلى { الربيع، الزهر، النوار، الورد، الريحان، الأنهار، الخرير، المرح، السرور، الفرح...} كل هذه المفردات مرتبطة بواسطة الراء إلى الربيع والشاعر ليس له أي صعوبة أمام هذا النوع من القواميس أن يبني خطابه حول تناغم الحروف.

5. الصوت وموقعه في البيت
كثيرا ما نرى نقادنا ينبهرون أمام كثافة ورود حرف في بيت أعجبهم. ولكنهم لا يذهبون أكثر في التحليل، ويكتفون في أحسن الحالات بوصف انطباعهم.

كثافة ورود حرف ما، أو سلسلة من الحروف، لا تكون لها دلالة كافية. وذلك لأن الحرف قد يقع في أماكن قوية من البيت أو أماكن ضعيفة، قد يتجاوب مع مثيله أو لا يتجاوب، قد يرد في كلمات أساسية أو في كلمات ثانوية، كل هذا يجعل دراسة التوزيع للحروف دراسة أساسية.
وسنوضح هذه الأفكار بدارسة هذا البيت لابن زيدون.
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا
الحروف التي وردت مرة واحدة في البيت هي الذال، الزاي، النون، الفاء، الشين، الواو، الدال، الطاء. أما التاء فإنها وردت مرتين واللام مرة في أصل الكلمة ومرتين كأداة تعريف.
أما الهمزة والقاف والراء فإن كلا منعا ورد خمس مرات قي البيت.

ثلاثة حروف إذن تتصدر الحروف المستعملة في البيت وهي واردة بنفس الكثافة. وهذه الكثافة ترعي الانتباه، لأننا لو قارنا هذا البيت بباقي أبيات القصيدة لرأينا ورود هذه الحروف ضعيفا في معظمها. ولكن لأي حرف من هذه الحروف الثلاثة ترجع الصدارة؟
1. ترجع الصدارة لحرف القاف بدون تردد. وذلك لسببين: أولهما أن القاف عادة أقل ورودا من الراء والهمزة، فنسبتها هنا مرتفعة. والسبب الثاني هو أن القصيدة بنيت على حرف القاف والقاف مرتبط بالشوق والاشتياق وبالعشق الذي هو ربما الهدف في بيت القصيد:
فالآن أحمد ما كنا لعهدكم سَلَوْتُمُ، وبقينا نحن عُشاقا
2. الحرف الثاني من ناحية الأهمية، هو الراء لورودها في كلمات أساسية: {ذكرتك، الزهراء، الأرض. . .}
3. أما الهمزة فإنها تظهر وكأنها مرافقة للحرفين السابقين. أقوى مواقع القصيدة هو موقع الروي وقد احتلها القاف في نهاية كل شطر من مطلع القصيدة، ولكن للقاف موقع مميز آخر وهو الجملة الإسمية: {والأفق طلق}. إذا استثنينا التنوين من طلق نرى هنا أننا أمام قافية داخلية رويها القاف ووصلها الواو، وهي قافية مجردة خالية من الردف والتأسيس. وللقاف مكان مميز آخر وهو: { قد راقا} حيث القاف وحركتها، تفتح المقطع وتغلقه.
ولو نظرنا إلى موقع القاف من ناحية الإيقاع لرأينا أنه مميز داخل إيقاع الجملة:
إني ذكرتك / بالزهراء/مشتاقا /
0 0 1
والأفق / طلق / ومرأى الأرض / قد راقنا /
1 1 0 2

فهو هنا ينهي بعض مركباتها ويأتي مع الوقف، ونهاية الوحدة هو أقوى المواقع لأنه يأتي مباشرة قبل التوقف ويرسخ بذلك في الذاكرة .
لو قرأنا البيت حسب إيقاع الوزن لكان التقطيع كما يلي:
إني / ذكر/تك بالزْ// زهرا/ء مشـ/تاقا ///
0101 / 011 / 0111 // 0101 /011 /0101 //
مسف/ علن/ فعلن //مستف/علن فعلن
و الأف/قُ طلـ/قُُ و مر //آى الأر/ض قد/راقا
0101 011 01101 01 01 011
مستف/ علن / فاعلن // مستفْ/ علن / فعْلن //.
ونلاحظ أن خلال هذه القراءة يتلاشى إيقاع الجملة { الأفق طلق} ويبرز حرف آخر هو الراء.
إني /ذكر/تك بالز//هرا /ء مشـ/تاقا
0 1 0 1 0 0
والأف/ق طل/ق ومر/آى الأرْ/ض قد / راقا
0 0 1 1 0 1
فالراء جاءت في نهاية التفعيلة الأولى، ونهاية النصف الأول من الشطر الثاني، وقبل علامات وقف. وكل هذه المواقع قوية.
ولدينا إذن نوع من توزيع الأدوار.
· القاف احتلت المواقع القوية من إيقاع الجملة
· والراء احتلت المواقع القوية من إيقاع العروض.

6. الصوت والدلالة
لاشك في أن الأصوات مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدلالة، وأن التركيب والتقابل والتضاد كلها عناصر تخدم التعبير والمعنى. ورجوعنا إلى بيت ابن زيدون يظهر لنا علاقة الصوت بالمعنى.
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا
في البيت ثنائية واضحة تقتسم المعنى: من جهة لدينا الأرض ومن جهة السماء. ولدينا حروف رئيسية تنتمي إلى هذا أو ذاك.
فالزهراء: مكان تعلّمه الراء، وهو يوحي بالسماء. فهو أرض و ذسماء .
والأفق: مكان السماء الذي يلتقي بالأرض، وهو الكلمة الرئيسية في البيت بعد الشوق.
الأرض: هي رمز المكان حرفها الرئيسي هو الراء.
وهذا الانقسام إلى الأرض والسماء يقابله انقسام إلى ذكرى وشوق، فيجزأ البيت كما يلي:
إن ذكرتك بالزهراء / مشتاقا /
ذكرى شوق
والأفق طلق / ومرآى الأرض قد راقا /
سماء أرض
و أنت ترى أن الذكرى مرتبطة بالراء، ومن خلال هذا الحرف فهي مرتبطة بالأرض أي بمكان الذكريات، أما الشوق فإنه مرتبط بالأفق والسماء من خلال حرف القاف.
لاحظ أنه في نهاية البيت يتجاور الحرفان الراء والقاف في كلمة: {راقا} كما يتجاور في الأفق السماء والأرض، وربما كل هذا الشوق للشاعر هو رغبته في اللقاء... اللقاء الذي هو حرف مبني على القاف.
الصوت بين القصد والعفوية، بين الدلالة والاعتباطيةللشاعر هو رغبته في اللقاء... اللقاء الذي هو حرف مبني على القاف.

lundi 23 février 2009

الوزن والإيقاع

الوزن والإيقاع
ــــــــــــــــ

.الإيقاع المنظم
بإمكاننا أن نتساءل عن علاقة الوزن بالإيقاع وهذا يقتضي أن نعطي تعريفا للوزن كما أعطينا تعريفا للإيقاع
.
mètre هو إيقاع خاضع لقواعد،وهذا يجعل من الوزن إيقاعا خاضعا.ويكون لدينا يجمع جميع الباحثين أن الوزن أو ميتر
هذا التعريف الأول:
تعريف:الوزن إيقـاع خاص.
الوزن خاضع لقواعد.
و المنظرون ينظرون عند تناولهم لمفهوم الوزن إلى العروض وقواعده المضبوطة في كل الأشعار.
هذا الخضوع يجعل من الوزن إيقاعا منظما.ولكن كيف يكون هذا التنظيم؟
2.الإيقاع العشوائي
بعض الإيقاعات لا تخضع سلاسلها لأي قاعدة ظاهرة و ذلك مثل:
س=أب ب ب أ أ ب ب أ أ أ ب أب أب أب ب ب أ......
أو
هذه السلاسل لا يمكن أن تتوقع أي موقع منها فهي سلاسل عشوائية وإيقاعها إيقاع عشوائي.
تعريف:الإيقاع العشوائي هو الإيقاع الذي لا تخضع لأي قاعدة مضبوطة ويكون تسلسل وحداته كيفيا أي عشوائيا.
إيقاع النثر هو إلى حد كبير عشوائي هذه الفقرة:
( )إن الأصالة هي أصالة الفكر..أصالة العاطفة،أصالة الإيداع وفي هذا السياق،فإنني استطيع أن أقول ،إن الأسلوب الفني الجيد،أو الصياغة الموسيقية الدقيقة،لن تستطيع رغم جودتها،ودقتها،أن تخلق للفكر السطحي أو الفكر المسروق،أجنحة تحلق بها في آفاق الحياة( الفيتوري) لو كتبناها بالسواكن والمتحركات لتحصلنا على ما يلي:
10101101111110110101 / 11101011011/10101011011 / 01101110110101011 01101 11 .1011 ......
و لو بحثنا عن علاقة بين هذه السواكن لما وجدنا أي شيء يذكر،ولكن هذا النص اللغوي مهيكل حسب مستويات اللغة المعروفة:كلمة وحدات تركيبة جمل ..و منه قضية إيقاع النثر مهيكل حسب المستويات اللغوية عشوائي المبدإ من ناحية متحركاته وسواكنه.
3.الإيقاع الرتيب
في مقابل الإيقاع العشوائي نجد كل سلاسله على الشكل: س=
تعريف: الإيقاع الرتيب هو كل إيقاع كتبت كل سلاسله على الشكل:
س=
نظرية:كل إيقاع رتيب هو إيقاع دوري.
البرهان:ينتج هذا عن تعريف الإيقاع الدوري،والإيقاع الرتيب كمثال لإيقاع رتيب تمام الرتابة الزمان الفيزيائي الذي تحدد وحداته بإشارة من الإشارات ونكتب سلاسله على أحد الأشكال:
الزمن=ثانية+ثانية+ثانية+ثانية+.....
أو على مستوى اعلى:
الزمن=دقيقة+دقيقة+دقيقة+دقيقة+...
أو الزمان=ساعة+ساعة+ساعة+ساعة+....
العلاقة التي تربط بين عناصر الإيقاع الرتيب هي علاقة التساوي.
فإذا كانت س سلسلة إيقاعية بحيث:
س=أ ب ج د هـ و ز .....
كي تكون س رتيبة يلزم أن يكون لدينا:
أ=ب=ج=د=هـ=و=ز
و هذا يعني الإيقاع الرتيب خاضع لقاعدة واحدة هي قاعدة تساوي الوحدات ومنه:
نظرية: الإيقاع الرتيب هو إيقاع موزون.
الوزن
الوزن هو إيقاع خاضع لقواعد تضبطه.وفي الواقع هذه القواعد تؤول كلها إلى رتابة أحد مستويات الوزن.
تعريف:الوزن هو كل إيقاع رتيب على أحد مستوياته لننظر إلى الشعر العمودي مثلا فالأبيات فيه متكافئة عروضيا متحددة في القافية بحيث نستطيع أن نكتب:
القصيدة=بيت+بيت+بيت+بيت.....
فالشعر العمودي هو إذن موزون على مستوى البيت.ومعظم الشعر العالمي موزون على مستوى البيت ولكن هناك من الشعر ما بين التكافؤ فيه على مستوى فقرة هذا الشعر رتيب أو دوري على مستوى فقراته و هو أيضا موزون.
في شعر التفعيلة تتكرر من بداية القصيدة إلى نهايتها تفعيلة واحدة بشكل من أشكالها،فهذا الشعر موزون على مستوى التفعيلة.
و الرتابة هنا ليست رتابة صارمة و علاقة التساوي فيها علاقة تكافؤ ففي البيتين :
يا ليل طل لا أشتهي إلا بوصل قصرك
لو بات عندي قمري ما بت أرعى قمرك( إبن زيدون)
الوزن: (0110101) (0110101) (0110101) (011101)
(0110101) (0110101) (0110101) (011101)
يظهر لنا بعض بعض الإختلاف ناتج عن الزحاف و السلامة،ولكن هذا الإيقاع لا يمنع من أن البيتين متكافئين عروضيا.
و لدينا هنا تكافؤ قوي بين بيت و آخر:تكافؤ في الوزن،في القافية،في اللغة.
و عندنا أيضا تكافؤ أقل قوة بين التفعيلة و التفعيلة.
القطب العشوائي و قطب الوزن
كال إيقاع يتأرجح في الحقيقة بين قطبين قطب العشوائية التامة وقطب الرتابة.
و إذا قارنا مثلا بين نص نثري،ونص من الشعر الحر و آخر من الشعر العمودي لرأينا بأن:
-النص النثري أقرب إلى القطب العشوائي.
-القصيدة العمودية أقرب إلى قطب الرتابة.
قصيدة الشعر الحر تقع بينهما.
فهناك إذن درجات في الوزن فالعمودي ثابت القافية،ثابت التفاعيل بينما قصيدة شعر التفعيلة لا تجعل من البيت وحدة إيقاعية بأتم المعنى.
في هذه الأبيات لمعين بسيسو:
هُنا تَوَقَفَ الأَثَرْ
هُنَا القَمَرْ
خَلْفَ الصُخُور و الْخيَام و الشَجَرْ
الوزن :(011011) (011011)
(011011)
(0110101) (011011) (011011)
متفعلن متفعلن
متفعلن
مستفعلن متفعلن متفعلن
يرينا أن الأبيات غير متكافئة من ناحية الطول و لكن القصيرة موزونة،والدليل على ذلك أنك لو غيرت رتبة كلمتين وكتبت:
توقف هنا الأثر
01101111011
متفعل متفعلن
لتكسر الوزن.وذلك لأنك حذفت حركة من وتد مستفعلن و هو غير جائز في الشعر الحر والشعر العمودي ومنه هذه المقولتين التي ربما لا يؤمن بها الكثيرون.
بديهية: شعر التفعيلة موزون.
الوزن
الإيقاع العشوائي
النثر الشعر النثري الشعر الحر

و على مستوى كل نص يمكننا أن نبحث عما يقربه من العشوائية أو الرتابة وما يبعده عن القطب الآخر.

قصيدة النثر
في هذه الأبيات للماغوط:
كالذباب في المواسم القاحِلْه.
كنا تنبت في كل مكان
نحب المطر
و نعبد الخريف
حتى فكرنا ذات يوم
أن نبعث برسالة شكر إلى السماء
و نلصق علبها
بدل الطابع...ورقة خريف
التقطيع:
01101011011011010101
010111010111010101
01101011
1011011011
01011010101010101
10110110101110111110101
0101111011
011111111010111 .
يرينا أن تسلسل السواكن و المتحركات لا يخضع لأي علاقة تذكر.
فهذا النص يختلف عن شعر التفعيلة فهو غير موزون على المستوى الصوتي.ولكن هذه القصيدة شعرية، و شعريتها جاءت أساسا من صورها و أسلوبها.
و لكن هناك شيء آخر يميز بين هذا النص و نص نثري شاعري كتب بصفة خطية فالشاعر هذا رجع مرات إلى السطر وبذلك فهو حدد تقطيعا جديدا يختلف عن تقطيع النص لو كتب كما يلي :
في هذه الأبيات للماغوط:
( )كالذباب في المواسم القاحِلْه...كنا تنبت في كل مكان،نحب المطر،و نعبد الخريف.
فالإيقاع في الكتابة النثرية للقصيدة هو الإيقاع اللغوي وحده،أما إيقاع القصيدة،كما أوردها الشاعر فإن المستويات فيها تغيرت،هذه المستويات ليست مبنية على الوزن التقليدي ولكنها مبنية على عوامل مختلفة كالدلالة،والوقف والتوازي النحوي والبلاغة إلخ...
و إذا قارنا بين شعر التفعيلة و الشعر النثري فإنه بإمكاننا أن نكتب:
شعر التفعيلة=تقطيع خاص للقصيدة+قواعد تسلسل التفعيلة.
الشعر النثري=تقطيع خاص للقصيدة
و يمكننا أن نضع في مخططنا السابق حيزا للشعر النثري.

النثر الشعر النثري الشعر الحر الشعر العمودي الوزن
الإيقاع العشوائي

كما أنه يمكننا أن نحدد طبقات للنثر إذا أمعنا الدراسة في أجناسها المختلفة.

lundi 9 février 2009

نظرتي للعوض

النظريـــة الجديــدة للعــروض

. تنبيـــه
كل من جاء بفكرة ضنها مبتكرة ادعى أنه الخليل الجديد ،بعيد عنا هذا الإدعاء.فنحن لا نريد تغيير نظام أظهر نجاعته منذ العديد من القرون، فلم نأت بتفعيلة جديدة أو نظمنا البحور بطريقة جديدة ،أو طمحنا للتغيير من أجل التغيير دون الركيزة العلمية .و لكننا بحثنا في العروض منذ أكثر من ثلاثين سنة،وعملنا مع كبار المنظرين و مع المختصين في الدراسات الإيقاعية المختلفة،واستعملنا أنجع النظريات،فكل هذا العمل و هذا السند النظري مكننا من تحسين نظام الخليل و حل الكثير من القضايا العالقة.
و لذا فإن عملنا هو تكملة لعمل الخليل ،و تنظير منطلق من الواقع الشعري و من الملكة الوزنية التي اكتسبناه من خلال القراءة ،و السماع ،و التأليف.
و حرصنا على الحفاظ بعمل الخليل آت من كوننا بعد دراسة كل النظريات وجدنا لكل منظر ثغرة إلا الخليل بن أحمد فإننا لم نجد له أي عيب.

. طبيعة النظام الخليلي
بإمكاننا أن نتساءل في أي خانة يمكننا أن نضع النظام الخليلي : هل هو نموذج وصفي،هل هو لغوي،مجرور،بنيوي...؟
1. يلزمنا في الأول أن نفهم أن النماذج اللغوية تنقسم إلى قسمين : نماذج توليدية تنشئ السلاسل اللغوية ونماذج تحليلية تنطلق من الواقع نحو العناصر النظرية،و العروض الخليلي هو في الأساس منتج فهو يأتي بالسلاسل الوزنية المقبولة،وهذا النظام مهيكل حسب مستويات اللغة مثل النظام اللغوي.
إضافة إلى هذا فهو ينطلق من بناء نظري بحث و يربط بواسطة تحويلات النظرية بالواقع ،و قد ركزنا مرارا أنه شبيه بما يعرف اليوم بالنحو التحويلي.

. السواكن و المتحركات
عاب المستشرقون على الخليل استعماله لمفهومي الساكن و المتحرك و قال بعض نقادنا إن الخليل لم يبن عروضه على أسس علمية أي صوتية .
و لكننا برهنا سنة 1979 أن مفهوم الساكن و المتحرك مكافئ تماما لمفهوم المقطع القصير و الطويل، و أن ...بأي من النظامين يعطي نفس النتائج التي يعطيها النظام الآخر.
و القدماء كانوا يرمزون بالرمز0 و الساكن بالرمز1 و هذا الترميز كان يناسب جدا الترميز الذي يستعمله باحثو مركز فن الشعر المقارن بباريس ،وقد كنت عضوا فيه،وذلك لأنهم كانوا يرمزون للعنصر المعلم بالرمز1 والعنصر العادي بالرمز0و في العربية الساكن هو العنصر المعلم .
و خلال السنة الأولى من تدريسي لعروض استعملت الترميز القديم،ولكن لم الطلبة لم يستميعوه،وذلك لأن السكون رمزه:0و الحرف الساكن مرتبط بهذا الرمز، فعزلت لأسباب تربوية عن ترميز القدماء و رمزت للساكن بالرمز0و للمتحرك بالرمز1.
و نحن لا ندري لأي سبب استعمل القدماء هذا الترميز الذي يظهر معاكسا للترميز المرتبط بالخط.
و الخليل لم يعرف الساكن و المتحرك فعرفناهما باللجوء إلى الصامت و الصائت و خطية الكلام.فعرفنا المتحرك بأنه الحرف المتبوع بحركة فاستغرب أحد الأساتذة المشارقة هذا التعبير ففي مخيلته المتحرك يحمل حركة ويدل هذا على أن الخروج من النظام المكتوب صعب و أذكر أنني وقعت في هذا الخطر فكنت أقول خلال عرض أطروحتي:حرف متحرك وحرف ساكن مستعملا كلمة ...التي تعني الحرف الخطي بالفرنسية،فقال لي الأستاذ المشرف و هو لساني مشهور اسمه ..... لماذا لا تقول ،فونيم؟ فقلت:نعم فونيم،و كنا الإثنين مخطئين لأن حروف المد ليست التي هي ليست فونيمات و إنما هي عناصر فوق مقطعية،ولذا فإن مصطلحي: المصوتات المتحركة والمصوتات الساكنة غير لائقتين.
و لكننا في الأخير (سنة 2007) رأينا أن المتحرك هو ربما حرف و حركته مما يجعل المتحرك جزءا من مقطع وليس حرفا.
و في كثير من المقالات العروضية لاحظنا خلطا بين الحركة و السكون و بين المتحرك و الساكن و استعمال عبارات مشبوهة مثل الحركات و السكنات ،وهذا يدل على أن نقادنا لم يستوعبوا دروس العروض الإستيعاب الكافي.
4. الأسباب و الأوتاد
عرف السبب بأنه متحرك و ساكن أو متحركين و الوتد بأنه متحركين ينهيهما ساكن أو يتوسطهما ساكن،و أوحى هذا ثان الأسباب و الأوتاد عناصر صوتية بحثة من ميدان الواقع الشعري فانطلاقا من هذا متقعلن(011011) مكونة من وتدين و فِعْلن(0101) مكونة من سببين، و الكثير من النقاد مثل نازك الملائكة ذهبوا هذا المذهب و اليونانيون في عروضهم نهجوا هذا المنهج فاليمب أو 011 هو مجرد سلسلة من الحروف.

و لكننا عند إطلاعنا على مقالة حول العروض لهال وكيزر تغيرت نظرتنا للأوتاد و الأسباب.
و في هذا المقال يقول هال وكيز هناك بنى بسيطة تستعمل رمزا أو رمزين و أحيانا ثلاثة و تكون مجسدة في مخططات مثل :
xxY xxY xxY xxY
xY xY xY xY xY
xxxY xxY xxxY xxY

هذه المخططات قد تمثل أشياء مختلفة كصف من تلاميذ أو جدول توقيت أو مواقع راقصين كما أنها قد تمثل مقاطع لغوية .
هذه المخططات تشكل في العروض بنية عميقة تمكن من الوصول إلى البنية السطحية بواسطة قواعد تحقيق.
و تطرق الباحثان إلى العروض العربي ،وقدموا الخليل كعالم اكتشفت هذه الحقائق منذ أكثر عدة قرون ،فاعتمدوا أسبابه و أوتاده و بحوره،و دوائره،و رمزوا للوتد بالرمزP و للسبب بالرمزK فالبسيط مثلا عندهم يكتب:
PKK PK PKK PK
فرأيت نظرتهم صائبة،و استعملت في أطروحتي الرمزين W للوتد و S للسبب و قد أحرج هذا شيئا ما أصحاب العروض الإنجليزي إذ S هو الموقع الثابت القوي عندهم و الرمز W هو الموقع الخفيف ،فترميزي كان عكس ترميزهم،ولكنني لم أغيره.
و بالعربية رمزت بالرمز و للوتد و بالرمز س للسبب ،فهذا الترميز بسيط جدا استوعبه بسهولة الطلاب التلاميذ،ولكن العروضيين التقليدين بقوا متخوفين منه و رأوا في ذلك خروجا على التقاليد .
أفكار هالوكيزر قادتني إلى نتائج لم يكن يتوقعها حتى أصحابها ،و سنرى ذلك في ما يأتي .

التفاعيل

لم يعرف الخليل التفاعيل بل أعطى فقط قائمتها و لو سألت أحدا عن تعريفها لقال لك إنها أصل البحور أو مجموعة من السواكن و المتحركات أو أي شيء غامض لا يصلح أن يكون تعريفها شاملا،مانعا.و لم أكن أنا أعرف تعريف التفعيلة عندما تقدمت إلى أطروحة الدرجة الثالثة سنة 1979 في باريس،قال لي أحد أعضاء اللجنة و كان من عادته أن يوجه سؤالا واحدا للمترشح،قال لي :
- التفعيلة هل هي مجرد طريقة لحفظ البحور أم أنها وحدة تحمل علامة خاصة مثل النبر؟
لم يكن هذا الاستاذ يعرف العربية و لكنه كا يعرف العروض اليوناني و الفرنسي ،أحرجني سؤاله فقلت :
- نعم تحمل نبرا.
لم لأكن مقتنعا بجوابي،و لكنني كنت فقط في حاجة إلى جواب،و لم أرد أن أقول بأن التفاعيل مجرد طريقة لحفظ البحور فأحتقر بذلك عروضنا،وفي الحقيقة فإن الكثير من دارسي العروض ينظرون إلى التفاعيل كطريقة فقط لحفظ الأوزان،و الدليل على ذلك أن كل من جاءته فكرة عابرة لتغيير شكل الأوزان إقترح علينا تفاعيل جديدة دون أي منهج و لا أي رافد نظري.
و فكرت طويلا،و اهتديت إلى تعريف التفعيلة ،و مرت عدة سنوات و التقيت سنة 1983 بالأستاذ المناقش فأجبته على سؤاله السابق .
- التفعيلة هي الجزء المتكرر في الوزن الدوري.
بالإمكان أن تحمل التفعيلة نبرا أو نبرين و بالإمكان أن تختلف حول هذا النبر و لكن الذي لا يمكن نكرانه هو أن التفعيلة هي الجزء المتكرر في البحور الصافية .
و لكنني الآن بعد نضج التفكير أرى أن تعريفي مرتبط بالواقع الشعري،و لا ينظر إلى الثنائية: نظرية- واقع ولزوم التفكير في هذه الثنائية يستلزمه مثلا سؤال مثل هذا : هل {فَعَلن،متفعلن،مستفعلن،مفاعيل} تفاعيل أم لا؟
إذ كانت هذه الوحدات تفاعيلا فالتفاعيل ليست عشرا،و إذا لم تكن تفاعيلا فما عسى أن تكون؟
يلزمنا إذا أن نميز بين التفاعيل التي هي على المستوى النظري و التفاعيل التي هي على مستوى التحقيق.
فعلى المستوى النظري التفاعيل عشر،و الخليل تقيد في بداية نظريته بالمستوى النموذجي،و إنما التفاعيل المزاحفة جاءت كتنوعات أو كمرادفات عروضية للتفاعيل الأصلية .
الذين اتهموا الخليل بالتعقيد أقول لهم إنهم أغبياء،و أزن كلامي أنظر إلى هذا الكم من التفاعيل لو قننها الخليل كما قنن اليونانيون تفاعيلهم لتوصل إلى نظام بالغ التعقيد،و لكنه بعبقريته لخص كل هذا في عشرة وحدات ،بل في أربعة أصول.
و لكن الخليل لم يقل لنا كيف حددت هذه التفاعيل.نظرية التعلم ستعطينا جوابا ،اطلعت على مفهوم التعليم لدى أصحاب النظرية الإيقاعية.
إذا كان العنصر المعلم أي القوي الثابت هو الوتد و العنصر غير المعلم هو السبب و كان تكوين التفاعيل خاضعا للمبدأ 2-3 فإن تعريف التفعيلة يظهر واضحا.
تعريف (1983) التفعيلة هي وحدة مكونة من أسباب و أوتاد تحتوي على وتد واحدة و سبب أو سببين.
هذا التعريف يرينا أن التفاعيل الخماسية مكونة من وتد و سبب ،و التفاعيل السباعية من وتد و سببين. و سنرى أن هذا التعريف له أهمية كبرى.
تركيب التفاعيل
بعض التفاعيل تجاور بعضها الآخر ، و البعض الآخر ينفر من البعض ،هل هناك قواعد لتحديد التركيب العروضية التي تعطينا الشطر و البيت .
حاول حازم القرطاجي الإجابة على هذا السؤال ،ولكن أبحاثه إن كانت تحمل جوانب كثيرة من الصحة فهي غير شاملة.
سنة 1981 أجبنا على هذا السؤال :
قاعـــدة : التفاعيل معلمة بواسطة الوتد في بدايتها أو في نهايتها أو في الرتبة الثانية،و لا تتجاوز التفاعيل إلا إذ كانت تحمل الوتد في رتبة متجانسة .
هذا يعني أن الأصول التي تحمل الوتد في الأول لا تستطيع أن تتجاور مع الأصول ،و الفروع التي تحمل الوتد في الرتبة الأخيرة لا تتجاور إلا مع التفاعيل التي تحمل الوتد في الرتبة الأخيرة،و التي تحمل الوتد في الرتبة الثانية لا تتجاور إلا مع التفاعيل التي تحمل الوتد في الرتبة الثانية.و لو نظرت إلى جدول البحور مكتوبا بالأسباب والأوتاد لظهر لك هذا واضحا.
و قاعدة تجاور التفاعيل هامة لأمرين :
1. ربما هذه القاعدة تفسر لنا إختيارات الخليل ،انظر إلى وزن المنسرح :
مستفعلن مفعولات مستفعلن
(س س و) (س س وَ) (س س و)
إن تفاعيله تحمل كلها الوتد في الرتبة الثانية .و أنتم تعرفون ربما أن حازم القرطاجي يرفض الوتد المفروق بحجة أنه ينتهي بمتحرك و العرب تتوقف على الساكن ،وقد أثبتنا أن هذه المقولة غير صحيحة لأن الوقف من ميدان الواقع و ليس من ميدان النظرية ففي بيت بشار بن برد :

لها عشر/دجاجات و ديك حـ /س الصوت
مفاعيل مفاعيلن مفاعيل مفاعيلن
أتوقف على المتحرك،لأن مفاعيلن بعد الزحاف تصبح مفاعيل.
مهما يكن من أمر فإن حازم بواسطة ذكائه اقترح للمنسرح الوزن :
مستفعلاتن مستفعلن فاعلن
(س س و س) (س س و) (س و)

و هو يوافق تماما وزن المنسرح من ناحية المتحركات و السواكن ،و لكنه يختلف عنه من ناحية البناء.
و أتذكر أنني لما عرضت هذا الإختيار خلال محاضرة، اشمأز أستاذي من هذا البناء و قال : ارجع إلى إختيار الخليلي و بالفعل فإن وزن حازم يخرج عن قواعد تكوين التفاعيل التي قلنا إنها تحتوي على وتد واحد و سبب أو سببين،ثم إن هذا الإختيار يخرج عن قاعدة التحاور التي حددناها . قد قلت إني وجدت لكل منظر ثغرة ،فلحازم رغم أهميته كبوة،لقد خلط بين التفاعيل النظرية التي أراد لها أن تنتهي بساكن و بين التفاعيل على مستوى الواقع و هي تنتهي أحيانا بمتحرك .
أما الخلييل فإنني قد قلت إني لم أجد له حتى الآن ثغرة بل إكتشفت كل مرة عنده شيئا جميلا.
و الجدير بالذكر هو أن بناء حازم على ردائته قد سرق مرارا،نعم أقول سرق،استعمل المستشرقون و لم يذكروا مرة حازم و ذكره بعض منظرينا و لم يتكلم عن صاحبه.
البحـــر
لو سألت أحدا عن مفهوم البحر لما أجابك إجابة مقنعة،فهدا المصطلح في حاجة إلى تعريف دقيق.
اللغوي جاكبسون يميز بين نموذج البيت و بين مثال البيت و ببساطة فالنموذج هو الجزء و النظري من الوزن ومثال البيت هو الوزن المحقق الذي نستنتجه من بيت مكتوب فعلا.
و القصيدة العربية موحدة الوزن فكل بيت يمثلها فلو قلت إن الرجز مثلا هو نموذج القصيدة لما صح ذلك لأن الرجز تام و مجزوء و منهوك و مشطور وهذه النماذج غير متداخلة،فنموذج القصيدة هو إذن الصرب أي النوع. و انطلاقا من هذا يتضح لنا التعريف الآتي :
تعريف 1: البحر هو مجموعة من الأضرب.
تعريف 2: البحر هو مجموعة من نماذج القصائد
و كل بحر يمثله وزن،قد يكون مستعملا أو غير مستعملا و كونه غير مستعملا لا يعد عيبا كما ذكرنا.

أضرب الشعر

لعروض و الضرب معنيان : المعنى المعروف الذي يحصره في آخر تفعيلة من الشطر الأول أو الثاني ،و هناك معنى ثان صمني لم يحدده العرضيون و لكن بإمكاننا أن نستخلصه من التعابير الآتية :
- عروض الرجز الثاني مجزوء و لها ضرب واحد مثلها ( التبريزي).
- للعروض الثالثة مشطورة جاءت على ثلاثة أجزاء و العروض هي الضرب ( التبريزي) .
- الشعر كله أربع و ثلاثون عروضا و ثلاثة و ستون ضربا(التبريزي) .
فالعروض قد تكون مخبونة أو مطوية أو محدوفة أو حذاء و لكنها لا تستطيع أن تكون مجزوءة و لأن الجزيئي وهو ذهاب آخر تفعيلة من كل شطر يخص البيت أو الشطر ،و إنما المقصود هنا هو نمط الشطر،و هذا يؤكده قول التبريزي العروض جاءت على ثلاثة أجزاء أي على ثلاثة تفاعيل .
و بما أن نمط البيت تحدده الثنائية المكونة من شكل العروض و الضرب فإنهم ربطوا هذا النمط بآخر تفعيلة من كل شطر.
و ترقيم الأعاريض و الأضرب و طريقة توزيع الأعاريض يجعل من الضرب هو الممثل لنمط البيت،وذلك واضح من خلال الجملة :
" الشعر ثلاثة و ستون ضربا،أي ثلاثة و ستون نمطا و النمط هنا بمعنى نموذج القصيدة"

علاقة البحر بنماذج الأبيات
لما بدأ الخليل تنظيره كان أمامه ثلاثة و ستون نمطا من القصائد،هذا ما يفرضه عليه الواقع،لا ننسى أنه لم يكتشف لا رجزا و لا هراجا و لا منسرحا.
كيف صنف الخليل تنظيره كان أمامه ثلاثة وستون نمطا من القصائد هذا ما يفرضه عليه الواقع،لا ننسى أنه لا يكتشف لا رجزا و لا هراجا و لا منسرجا.
كيف صنف الخليل هذه النماذج؟ و بصفة أدق كيف قرر بأن صنفين من الأصناف ينتميان إلى بحر واحد. بالنسبة للبحور البسيطة العملية تظهر سهلة فالإختلاف هنا يكون في عدد التفاعيل،ولكن بالنسبة للبحور المركبة العملية لا تظهر بهذه البساطة :انظر إلى البسيط التام و مخلع البسيط إنهما مختلفان تماما في الحقيقة الخليل أخذ المبدأ الآتي:
مبدأ ينتمي نموذجان إلى بحر واحد إذا اتفقا في الحشو و الإتفاق يكون إما تطابقا و إنما ناتجا عن تجزئي .
هذا يعني أن النماذج لا تختلف إلا بواسطة تعليم الشطر أي يشكل العروض و الضرب.
و قد شد السريع :
مستفعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن مستفعلن فاعلن
فحشو السريع يتطابق مع حشو الرجز،و ربما فصل الخليل بين البحرين لأسباب تاريخية و هي أن السريع كان ربما معروفا مثل الرجز و كان الناس يميزون بينهما .

الزحافات و العلل
أظهرنا في أبحاثنا أن الزحافات لها وظيفة تطويع الوزن كي يساير اللغة،و العلة وظيفتها تعليم الشطر والبيت. و الزحافات تاخذ في نظرية كايزر شكلا جميلا يمكننا من الإستغناء عن كل مصطلحات التحويلات.
في هذه النظرية تندمج الزحافات في قواعد التحقيق التي هي :
س =01 سَ =11
س =1 سَ =01

تقطيع البيت

لم يعطينا القدماء أي طريقة لتحلي البيت،و بقيت القضية عالقة حتى سنة 1982 حيث اهتدينا بعون الله إلى تحديد قواعد بسيطة استعملها طلابنا،و لقنوها لتلاميذهم،و أدخلناها في الحاسوب فصار يقطع بطريقة فائقة السرعة انطلاقا من الكتابة العادية .
و لمزيد من المعلومات حول قواعد التقطيع نحيل القارئ إلى مؤلفاتنا.

مجال مفتوح
مازال البحث في العروض ممكنا،و مازال الوزن الشعري محتفظا بكثير من أسراره على الباحثين إن أرادوا أن يطوروا فعلا البحث في الإيقاع أن يتطلعوا إلى ما جاء في أشعار الأمم الأخرى ، وأن يفهموا الأبحاث الجادة،و أن يربطوا علم الإيقاع بالعلوم الأخرى،فنظرية الخليل ما هي إلا منطلق لدراسة عديدة مفلحة .

السيرة الذاتية

السيرة الذاتية للدكتور مصطفى حركات


ولد ببوسعادة – الجزائر
الشهادات
– ليسانس في الرياضيات الجزائر (1968)
– دكتوراه الدرجة الثالثة في اللسانيات باريس (1979)
– دكتوراه الدولة في اللسانيات جامعة باريس 7 (1982) موضوعها في العروض العربي

المسار المهني
– مفتش عام لمادة الرياضيات بوزارة التربية
– مسؤول تعريب الرياضيات في وزارة التربية
– خبير لدى اليونسكو والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في ميدان تعليم الرياضيات
– أستاذالعروض واللسانيات بجامعة الجزائر
– خبير لدى شركة العالمية بالكويت حيث أنجز برنامج العروض الذي يعالج أوزان الشعر بواسطة الحاسوب
- عضو مركز فن الشعر المقارن بباريس
– مدير دار الآفاق للنشر والتوزيع

المؤلفات
إلى جانب العديد من المقالات والكتب التعليمية وكتب الأطفال الف الدكتور مصطفىحركات 25 مؤلفا أساسيا نذكر منها :
في اللسانيات وعلوم اللغة
- اللسانيات وقضايا اللغة العربية (1996)
- الصوتيات والفونولوجيا (1996)
- الكتابة والقراءة وقضايا الخط العربي (1996)
هذه الكتب مطبوعة في الجزائر وفي لبنان ( المكتبة العصرية ) وفي مصر
في العروض
- العروض واللسانيات الرياضية (1983)
- كتاب العروض (1985)
- قواعد الشعر (1989)
- أوزان الشعر (1990)
- نظريات الشعر (1991)
- الشعر الحر أسسه وقواعده (1991)
- نظريتي في تقطيع الشعر (2001)
هذه الكتب مطبوعة في الجزائر
أوزان الشعر والشعر الحر مطبوعان في لبنان ( المكتبة العصرية )

الشعر
برقية إلى فلسطين ( دار الآفاق 2000 )
فجر الأيـام ( دار الآفاق 2001 )
باللغة الأجنبية
DEMEURES أو أبيات وهو ترجمة لأجمل أبيات الشعر العربي WAZN أو وزن وهو دراسة للعروض العربي وعلاقته باللسانيات وعروض اللغات الأخرى.

هذا الموقع

هذا الموقع مخصص للدراسات العروضية...وهو موجه للطلبة والباحثين ...إني على استعداد للإجابة على كل الأسئلة..
د.مصطفى حركات