vendredi 3 avril 2009

جماليات الصوت اللغوي


. الأصوات في القصيدة
الأصوات في القصيدة، سواء كانت حروفا أو حركات، لها صفات مميزة عديدة. ولكننا لم نأخذ منها في دراسة الوزن والإيقاع، إلا الصفة
التي تربطها بالزمن، وأهملنا كل الصفات الأخرى من جهر وهمس وانفجار وغنة، وذلك لسبب بسيط وهو أن هذه الصفات ليست ذات دلالة بالنسبة للوزن والإيقاع. ففي بيت ابن زيدون:
إِنَّ الذِي قَدَرَ الْحَوَادِثَ قَدْرَهَا ساوى لديه الشهدَ منها العَلْقَمُ
لا تهم من ناحية الوزن طبيعة أي حرف.
ففي {قدر} لا يهمنا أن تكون القاف والدال انفجاريتين مجهورتين والراء حرفا مائعا تكراريا، ولا يهمنا تجاوب {قدر} مع {قدرها}، وورود القاف في كل من {قدر،قدرها،العلقم}، وورود الدال في كل من {قدر،الحوادث، قدرها، لديه،الشهد}.
الحرف الوحيد الذي نهتم بطبيعته في القصيدة هو الروي أو ما لزم من حروف وحركات في القافية كألف التأسيس، والوصل الخ.

ولكن طبيعة الحروف التي تكلمنا عنها وطريقة ورودها في البيت إن لم تكن إشارات ذات دلالة بالنسبة للوزن، فهي ذات أهمية بالنسبة للوظيفة الجمالية للبيت، ولذا فإنه من الأحسن أن ندرسها في باب أسلوبيات البيت أو جمالياته.

. المقصود وغير المقصود
بيت ابن زيدون السابق الذكر، مأخوذ من قصيدة مطلعها :
الدّهْرُ إِنْ أَمْلَى فَصيحُُ أَعْجَمُ يُعْطِي اعْتِبَاري مَا جَهِلْتُ فَأفْهَمُ
هذه القصيدة تبتدئ بكلمة {الدهر} التي هي أساسية، ومحورية. وهذه الكلمة يتصدرها حرف الدال، فلا غرابة إذن أن يرد هذا الحرف بالكثافة المذكورة، والسؤال الذي يمكن أن يطرح علينا هو: هل قصد الشاعر هذا التكرار؟ أم أنه جاء بالصدفة؟ أم أن شيئا في ملكته جعل الحرف يتردد هذا التردد؟
1. عدد كلمات البيت هو عشرة ولو رمزنا بالصفر للكلمة الخالية من الدال وبالواحد للكلمة التي تحمل الدال لتحصلنا على ما يلي :
إن الذي قدر الحوادث قدرها ساوى لديه الشهد منها العلقم
0 0 1 1 1 0 1 1 0 0

وهذا يرينا أن حرف الدال ورد في خمسين بالمائة من الكلمات وهي نسبة عالية.
وعلى مستوى التفاعيل لو أجرينا نفس العملية.
إن الذي/ قدرلحوا/ دثقدرها ساوى لديـ/هششهدمنـ/هلعلقم
متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن
0 1 2 1 1 0
لرأينا أن ثلثي التفاعيل تحمل حرف الدال وهي نسبة عالية أيضا.
كثافة الدال هي إذن في هذا البيت شيء حقيقي.
2. العلاقة بين { قدر} و {قَدْرها} في العبارة: { قدر الأشياء قدرها} جاء بها الشاعر عن قصد، فهي خاضعة لشكل بلاغي متداول.
3. باقي الكلمات التي تحتوي على حرف الدال بدون قصد ظاهر، ولكن كثافة هذا الحرف غير العادية وارتباطها بالكلمة المحورية {الدهر} تجعلنا نعتقد بأن هذا التواتر ناتج عن مَلَكة شعرية تفوق ملكة الوزن أو ترافقها. وهذه الملكة خفية كخفاء الملكة الإيقاعية.
وعلى هذا، فإنه بإمكاننا أن نصنف هذا النوع من الأحداث، كما يلي:
1. أحداث جاءت بمحض الصدفة وبطريقة عشوائية.
2. أحداث مقصودة كاستعمال الجناس في:
ورد الربيع فمرحبا بوروده وبنور بهجته ونور وروده
3. أحداث غير مقصودة وغير عشوائية يمكن أن تنسب إلى الملكة الشعرية الخفية.
لاحظ أن صفي الدين الحلي، إن قصد الجناس بين الورود أي الإتيان وبين الورود بمعنى الأزهار، وبين النور أي الضوء والنور أي الأزهار، فهو لم يقصد تكرار الراء، فهذا الحرف الذي يتصدر الكلمة الرئيسية في البيت وهي {الربيع} يرد في معظم كلمات البيت ومعظم التفاعيل .
ورد الربيع فمرحبا بوروده و بنور بهجته و نور وروده
1 1 1 1 1 0 1 1
ورد الربيـ/ ـع فمرحبا /بوروده وبنوربهـ/جته ونو/ر وروده
2 1 1 1 0 2
ونستخلص من هذا أن الشاعر قد يقصد منحى أسلوبيا بلاغيا جماليا، ولكنه بصفة عفوية يورد علاقات لا يتوقعها.

. مدلول الصوت واعتباطية الدليل
إن كلمات اللغة اعتباطية في أساسها، أي أنه لا علاقة بين شكلها ومعناها. هذا ما لاحظه اللسانيون واستدلوا بذلك على كون {الدار} يقال لها بالفرنسية: {ميزون Maison}، وبالإنجليزية {هاوس House}، و{السماء} هي {سيال Ciel }و{سكاي Sky } ولا علاقة بين الأصوات في هذه اللغات وبين المدلول الواحد.

و لكن هذه الاعتباطية، الأساسية من ناحية المبدإ، هل هي تامة؟ وهل تمنع ارتباط الدلالة من خلال ارتباط الأصوات؟
بعض اللغويون يرون ارتباطا للصوت بالمعنى في كلمات مثل: {أزيز الماء عند الغليان}، و {خرير الماء}. {الهمس} يوحي بهاءه الخفيفة وسينه الصفرية إلى الصوت الخفي إلخ.... و لكن هذه الحالات هامشية ولاتخل بمدإ اعتباطية الدليل. إلا أن الشعر يتعامل مع محور الاستبدال من ناحية التركيب اللغوي ومن ناحية التركيب العروضي وأيضا كما نظن من ناحية الاختيار البلاغي الأسلوبي.

ففي { قدر الحوادث قدرها} كلمة {حوادث} اختيرت من بين سلسلة من الكلمات تؤدي المعنى، وتتفق مع الوزن، ووقع ربما الاختيار على {حوادث} لورود حرف الدال فيها ولعلاقتها بال{دهر}. ألا يقال {حوادث الدهر} ؟

فالصوت ليس له مدلول بنفسه، والعلاقة التي يراها البعض بين جرسه وطبيعة مدلوله، كالقوة أو الضعف، كالحب مقابل الكراهية، أو الضوء مقابل الظلام، هي علاقة ساذجة لا يمكن التأكد منها، ولكن الحرف وارد وسط كلمة لها معنى. وفي هذه الحالة، فإن الحرف قد ينقل هذا المعنى من مكان لآخر، رأينا أن {دال} الدهر عند ابن زيدون انتقلت أو علمت كلمات مثل :{قدر، حوادث، لديه، الشهد} و{راء} الربيع عند صفي الدين الحلي انتقلت إلى: الورد، والنور، والنور، والرحب.
وربما يجعلنا هذا نتساءل عن اعتباطية الدليل: هل قداسته مهددة من طرف شيء آخر غير المحاكاة الصوتية للمعنى؟ وهذا الشيء يكمن في اشتراك حقل معجمي بأكمله في جزء من الدال. أنظر إلى { الربيع، الزهر، النوار، الورد، الريحان، الأنهار، الخرير، المرح، السرور، الفرح...} كل هذه المفردات مرتبطة بواسطة الراء إلى الربيع والشاعر ليس له أي صعوبة أمام هذا النوع من القواميس أن يبني خطابه حول تناغم الحروف.

5. الصوت وموقعه في البيت
كثيرا ما نرى نقادنا ينبهرون أمام كثافة ورود حرف في بيت أعجبهم. ولكنهم لا يذهبون أكثر في التحليل، ويكتفون في أحسن الحالات بوصف انطباعهم.

كثافة ورود حرف ما، أو سلسلة من الحروف، لا تكون لها دلالة كافية. وذلك لأن الحرف قد يقع في أماكن قوية من البيت أو أماكن ضعيفة، قد يتجاوب مع مثيله أو لا يتجاوب، قد يرد في كلمات أساسية أو في كلمات ثانوية، كل هذا يجعل دراسة التوزيع للحروف دراسة أساسية.
وسنوضح هذه الأفكار بدارسة هذا البيت لابن زيدون.
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا
الحروف التي وردت مرة واحدة في البيت هي الذال، الزاي، النون، الفاء، الشين، الواو، الدال، الطاء. أما التاء فإنها وردت مرتين واللام مرة في أصل الكلمة ومرتين كأداة تعريف.
أما الهمزة والقاف والراء فإن كلا منعا ورد خمس مرات قي البيت.

ثلاثة حروف إذن تتصدر الحروف المستعملة في البيت وهي واردة بنفس الكثافة. وهذه الكثافة ترعي الانتباه، لأننا لو قارنا هذا البيت بباقي أبيات القصيدة لرأينا ورود هذه الحروف ضعيفا في معظمها. ولكن لأي حرف من هذه الحروف الثلاثة ترجع الصدارة؟
1. ترجع الصدارة لحرف القاف بدون تردد. وذلك لسببين: أولهما أن القاف عادة أقل ورودا من الراء والهمزة، فنسبتها هنا مرتفعة. والسبب الثاني هو أن القصيدة بنيت على حرف القاف والقاف مرتبط بالشوق والاشتياق وبالعشق الذي هو ربما الهدف في بيت القصيد:
فالآن أحمد ما كنا لعهدكم سَلَوْتُمُ، وبقينا نحن عُشاقا
2. الحرف الثاني من ناحية الأهمية، هو الراء لورودها في كلمات أساسية: {ذكرتك، الزهراء، الأرض. . .}
3. أما الهمزة فإنها تظهر وكأنها مرافقة للحرفين السابقين. أقوى مواقع القصيدة هو موقع الروي وقد احتلها القاف في نهاية كل شطر من مطلع القصيدة، ولكن للقاف موقع مميز آخر وهو الجملة الإسمية: {والأفق طلق}. إذا استثنينا التنوين من طلق نرى هنا أننا أمام قافية داخلية رويها القاف ووصلها الواو، وهي قافية مجردة خالية من الردف والتأسيس. وللقاف مكان مميز آخر وهو: { قد راقا} حيث القاف وحركتها، تفتح المقطع وتغلقه.
ولو نظرنا إلى موقع القاف من ناحية الإيقاع لرأينا أنه مميز داخل إيقاع الجملة:
إني ذكرتك / بالزهراء/مشتاقا /
0 0 1
والأفق / طلق / ومرأى الأرض / قد راقنا /
1 1 0 2

فهو هنا ينهي بعض مركباتها ويأتي مع الوقف، ونهاية الوحدة هو أقوى المواقع لأنه يأتي مباشرة قبل التوقف ويرسخ بذلك في الذاكرة .
لو قرأنا البيت حسب إيقاع الوزن لكان التقطيع كما يلي:
إني / ذكر/تك بالزْ// زهرا/ء مشـ/تاقا ///
0101 / 011 / 0111 // 0101 /011 /0101 //
مسف/ علن/ فعلن //مستف/علن فعلن
و الأف/قُ طلـ/قُُ و مر //آى الأر/ض قد/راقا
0101 011 01101 01 01 011
مستف/ علن / فاعلن // مستفْ/ علن / فعْلن //.
ونلاحظ أن خلال هذه القراءة يتلاشى إيقاع الجملة { الأفق طلق} ويبرز حرف آخر هو الراء.
إني /ذكر/تك بالز//هرا /ء مشـ/تاقا
0 1 0 1 0 0
والأف/ق طل/ق ومر/آى الأرْ/ض قد / راقا
0 0 1 1 0 1
فالراء جاءت في نهاية التفعيلة الأولى، ونهاية النصف الأول من الشطر الثاني، وقبل علامات وقف. وكل هذه المواقع قوية.
ولدينا إذن نوع من توزيع الأدوار.
· القاف احتلت المواقع القوية من إيقاع الجملة
· والراء احتلت المواقع القوية من إيقاع العروض.

6. الصوت والدلالة
لاشك في أن الأصوات مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدلالة، وأن التركيب والتقابل والتضاد كلها عناصر تخدم التعبير والمعنى. ورجوعنا إلى بيت ابن زيدون يظهر لنا علاقة الصوت بالمعنى.
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا
في البيت ثنائية واضحة تقتسم المعنى: من جهة لدينا الأرض ومن جهة السماء. ولدينا حروف رئيسية تنتمي إلى هذا أو ذاك.
فالزهراء: مكان تعلّمه الراء، وهو يوحي بالسماء. فهو أرض و ذسماء .
والأفق: مكان السماء الذي يلتقي بالأرض، وهو الكلمة الرئيسية في البيت بعد الشوق.
الأرض: هي رمز المكان حرفها الرئيسي هو الراء.
وهذا الانقسام إلى الأرض والسماء يقابله انقسام إلى ذكرى وشوق، فيجزأ البيت كما يلي:
إن ذكرتك بالزهراء / مشتاقا /
ذكرى شوق
والأفق طلق / ومرآى الأرض قد راقا /
سماء أرض
و أنت ترى أن الذكرى مرتبطة بالراء، ومن خلال هذا الحرف فهي مرتبطة بالأرض أي بمكان الذكريات، أما الشوق فإنه مرتبط بالأفق والسماء من خلال حرف القاف.
لاحظ أنه في نهاية البيت يتجاور الحرفان الراء والقاف في كلمة: {راقا} كما يتجاور في الأفق السماء والأرض، وربما كل هذا الشوق للشاعر هو رغبته في اللقاء... اللقاء الذي هو حرف مبني على القاف.
الصوت بين القصد والعفوية، بين الدلالة والاعتباطيةللشاعر هو رغبته في اللقاء... اللقاء الذي هو حرف مبني على القاف.