jeudi 21 mai 2009

لقب الدكتوز

لقب الدكتور

كم من طالب في الدراسات العليا تاق للفظة الدكتور فهي تتوج مساره العلمي، وتمنحه العمل والاحترام وبعض الاكتفاء المادي ولا أقول الثراء أو حتى شبه الثراء...
ولكن استعمال هذه اللفظة يختلف من ثقافة لأخرى، فالألمان مثلا لا يجدون حرجاً في إضافة كلمة دكتور إلى أسمائهم، وهذا على اختلاف الشهادات. أما الفرنسيون فإنهم يخصصون اللقب للأطباء حتى أن هذه المفردة أصبحت مرادفة لكلمة طبيب. فيقال : زرت الطبيب أو زرت الدكتور على حد سواء.
أما المشارقة من العرب فإنهم يعطون لهذه الكلمة أهمية كبرى ويؤكدون بذلك على المستوى الجامعي لصاحبها، ومكانته في المجتمع... حتى أنها أصبحت شبيهة بالألقاب الشرفية القديمة عند الغربيين مثل الدوك والبارون والكونت.
أما نحن في الجزائر، أو ربما في بعض المغرب العربي، نحن الذين لم تستقر بعض ثقافتنا, فإننا نوظف هذا اللفظ بطرق مختلفة، ونعطيه دلالات متغايرة ونتعامل معه حسب إيديولوجيات متضادة.

أبرز استعمالين للفظ {دكتور} يتمثل في نطقين مختلفين وفي مدلولين متقابلين. فهناك الكلمة التي نطقها عربي بالتاء المضمومة الممدودة وهي مخصصة للجامعيين الذين أحرزوا على أعلى شهادة تمنحها الجامعة. وهناك {دكتور} بالنطق الفرنسي بدال متبوعة بالصائت {0} وتاء متبوعة بالصائت {eu} الممدود. وهذه الكلمة أي {docteur} المنطوقة حسب النطق الأجنبي, تخصص للأطباء.
هذا الاستعمال المزدوج واضح في خطاب التلفزة والمذياع. فإن استقبل المنشط أستاذاً في الأدب أو القانون أو التاريخ، استعمل النطق العربي. وإن حاور طبيباً استعمل الكلمة بنطقها الأجنبي وأحيانا نراه يستعمل حتى كلمة {بروفسار} إن كان الطبيب يحمل هذا اللقب متجنبا مقابلها العربي {أستاذ}.
هذه الازدواجية في الاستعمال، إن كانت تحمل أثر الازدواجية الثقافية، فهي أيضا تحمل دلالات أخرى: دلالات اجتماعية تقويمية. فاستعمال كلمة دكتور بالنطق الأجنبي تنـزه صاحب اللقب عن أن يكون مجرد شخص جامعي اكتفى بتكديس المعلومات. فهو شخص يداوي وينفع في كل وقت الناس، ويجنبهم المرض أو يشفيهم منه. وشهادته إذن ذات إيجابية مجسدة في الميدان. إضافة إلى كونه في حيز أصحاب الحداثة، فالطب عالمي، متقدم، لا علاقة له البتة بالتراث والتخلف.
وهذا التحليل ليس تحليلاً نظرياً، فبالفعل أساتذة الطب طلبوا، وأظنهم نجحوا في هذا الطلب، طلبوا أن يكون سلمهم في الوظيف العمومي أعلى من سلم أساتذة المواد الأخرى...
وربما هم على حق. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يطالب دكاترة الرياضيات والفيزياء والعلوم الدقيقة، أن تكون أستاذيتهم أعلى من أستاذية الأدبيين؟ ولهم حجة قوية وهي أنهم معرضون لمغريات الغرب ومادياته، وظروف عمله الجيدة، واحترامه للثقافة والعلم...فهم قادرون على الهجرة أكثر من غيرهم...
ولو رجعنا إلى دلالة الكلمتين لرأينا أن اللفظة الأجنبية متفق على مدلولاتها من طرف المجتمع كله. فهي تعني الكفاءة والاحترام، حتى وإن كان بعض الممثلين لا يستحقون هذه العناية، وحتى وإن كان بعض الشبان الحاملين لهذه الشهادة بطالين أو يزاولون مهنا لا تتلاءم مع تكوينهم مثل سياقة التاكسي والتجارة البسيطة والعمل اليدوي...
أما لفظة دكتور العربية النطق فإنها تحمل في طياتها معان متناقضة وسأبدأ بأسوإها.
عند بعض الأشخاص من الجيل القديم, وحتى الحديث، كلمة دكتور مرفوقة بالاحتقار والازدراء. فالدكتور في منظور هؤلاء هو شخص أدبي متمسك بلغة قديمة وثقافة ظلامية وقيم بالية، منهمك ربما على كتبه: لباسه قديم، وهيئته شعبية، وملامحه تدل على التعب المكدس، والقهر الاجتماعي، وهو فقير بطبيعة حاله... فهو إن اشترى سيارة فقد يكون اشتراها بالتقسيط وإن تحصل على شقة تأوي إليها عائلته الكبيرة فإنه تحصل عليها بإعانة من وزارته، وذلك بعد المشقة والتوسل والبحث عن السند والعون من كل الجهات.
وهذا التصور للدكاترة ليس نابعا فقط عن الصراع الثقافي، ومصدره ليس العدوانية المجانية، وإنما هو يحمل في طياته شيئاً من الواقع، فالدكاترة الأدبيون لم يفرضوا أنفسهم في الإدارة والثقافة والسياسة الفرض اللازم، ولم يرقوا بعلمهم إلى الدرجة التي تجعلهم يجابهون بها أصحاب الازدراء والاحتقار.
فأنت إن توصلت إلى فهم ابن جني وسيبويه، والجرجاني، وكتبت أطروحة قد يزيد أحيانا حجمها على الألف صفحة، فكيف لا تستطيع تعلم لغة أجنبية أو تحسين مستواك فيها، حتى تتسع آفاقك على ثقافات أخرى، وحتى تستطيع أن تقف الند مع الند أمام من يزدريك ؟
ومن ناحية النطق فإن المنشط في التلفزة أو الإذاعة إن فصل بين المدلولات بواسطة التعبير الصوتي، فهذا قد يكون نابعا عن مركب نقص أمام طبيب يراد تنـزيهه عن الأدبيات. أما المزدري فإن ازدراءه نابع عن تكبر وهو يجسده على مستوى التلفظ أيضا. فهو يمد عمدا، وبصفة ملحوظة, ضمة الواو فينطق: {دكتووووور}.
وتكون درجة الازدراء متناسبة مع طول الضمة، ومع التركيز على الحروف تركيزا تهكميا، ومع إبراز عروبة الكلمة ونطقها الفصيح...

وفي الأوساط الجامعية فإن شهادة الدكتوراه تفصل بين أصحاب التعليم، وتساهم في التصنيف الذي نشاهده في كل الجامعات: جامعات العلوم الدقيقة والجامعات الأدبية، جامعات الشرق وجامعة الغرب. فالدكتور دكتور في كل المعاهد، وهو أعلى درجة من المعيد المتحصل فقط على الماجستير... وقد يكون المعيد أكثر ثقافة وعلما من الأستاذ، وأحد ذكاء وفطنة، ولكنه يبقى في درجة منخفضة في أعين الجميع.
ورسالة الدكتوراه قد تكون جيدة، فيها ابتكار وبحث حقيقي، وقد تكون رديئة فيها الأخطاء والتناقضات... ولكن السمة الأساسية للدكتوراه تبقى أنها شهادة جامعية... وإنما البحث الحقيقي يبقى بعد هذه الشهادة.


الانتباه إلى نظرة الآخرين للدكتوراه شيء هام بالنسبة لحاملها. فأنت لو كتبت أو نشرت مقالاً في الغرب فإنك تحرج غيرك إن أبرزت شهادتك، وإن كتبت في المشرق فمن الأحسن أن تصدر اسمك بكلمة دكتور أو بدال متبوعة بنقطة.
وأتذكر أنني لما نشرت كتبي الخمسة في المشرق فإنني نهجت نهج الغربيين. فأندري مارتيني، وجاكبسون، وشومسكي لا يذكرون في عناوين كتبهم رتبتهم الجامعية. فشومسكي هو شومسكي صاحب النظرية التحويلية, وجاكبسون هو أبرز أعلام مدرسة براق, ومارتيني هو صاحب المدرسة الوظيفية. أسماءهم تكفي ولا داعي إلى التركيز على الشهادة.
وجعلت اسمي ببساطة دون تصديره بكلمة دكتور أو بهذه الدال الخفية، وفي آخر الغلاف لم أذكر مساري العلمي. وهذا التواضع رجع بالسلب على عملي, إذ ظن الجميع في المشرق أنني لم أدرس في الجامعة لا اللسانيات ولا الصوتيات ولا العروض، وإنما كتبت كل هذا من باب الاجتهاد الفردي... وكل هذا جعلني أندم على تواضع لم يكن في محله...
والكلمات تتغير مدلولاتها مع تغير المجتمعات. ونحن نلاحظ الآن مع انتشار العلوم الإنسانية أن فئة كثيرة من الشبان أصبحت تعطي للأستاذ
حقه من التقدير والعرفان، وصارت تمنح هذه الكلمة دلالات غير دلالات الاحتقار والازدراء.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire